العملة المستقرة هي نوع من العملات الرقمية المصممة خصيصا من أجل الحفاظ على قيمة مستقرة، على عكس العملات الأخرى مثل البيتكوين أو الإيثيريوم التي تشتهر بتقلباتها الكبيرة في السعر، يتم ربط قيمتها عادة بأصل مستقرّ خارجي، مثل الدولار الأمريكي و اليورو أو الذهب.
![]() |
| العملات المستقرة Stablecoins |
العملات المستقرة Stablecoins
تُعد العملات المستقرة Stablecoins، ظاهرة حديثة نسبياً استمدت أهميتها من سعيها لتحقيق استقرار سعري في بيئة رقمية تتسم بالتقلبات الشديدة التي غالباً ما تميز العملات الرقمية التقليدية، تعكس هذه العملات محاولة جادة لدمج مزايا الأصول الرقمية، من سرعة التنفيذ وتكلفتها المنخفضة.
العملات المستقرة هي الجسر بين العالم المالي التقليدي والعالم الرقمي الجديد، فهي توفر ميزات العملات الرقمية مع تجنب عيبها الرئيسي التقلب الشَّديد.
تعريف العملات المستقرة
تُعرف العملات المستقرة بأنها نوع من الأصول الرقمية التي تم تصميمها للحفاظ على قيمة مستقرة نسبياً من خلال ربطها بأصول أو عملات أخرى ذات قيمة مستقرة، مثل العملات النقدية التقليدية أو السلع الرئيسية، يُعد هذا الربط أحد أهم عناصرها الأساسية، حيث يُساعد على تقليل التقلبات الكبيرة التي عادةً ما تتسم بها العملات الرقمية التقليدية، مما يجعلها أكثر ملاءمة للاستخدام اليومي والتعاملات التجارية.
تصنيف العملات المستقرة يتنوع وفقاً لنوع الدعم الذي تستند إليه، منها العملات المدعومة بعملات نقدية فعلية، وتُعرف أيضاً بأنها عملات مدعومة بأصول حقيقية، وهناك العملات المدعومة بأصول غير نقدية، والتي تعتمد على برمجيات الذكاء الاصطناعي أو العقود الذكية لضمان استقرار القيمة، كما يوجد نوع ثالث يُطلق عليه العملات غير المدعومة، والتي تعتمد على آليات السوق والتوقعات للحفاظ على استقرارها بدلاً من وجود أصول حقيقية تدعمها بشكل مباشر.
يهدف اختيار نوع الدعم إلى تلبية احتياجات المستخدمين، سواء من حيث الاستقرار المالي، أو الشفافية، أو الأمان، أو سهولة الاستخدام، يُعتمد في تصنيف العملات المستقرة على معايير متعددة تتعلق بالشفافية، مستوى الدعم، آليات التحقق، وأحياناً التنظيم القانوني، بهدف ضمان استقرارها أمام المستخدمين والمستثمرين على حد سواء، يبرز ذلك أهمية تصنيفها المدروس لضمان فعاليتها وتفاعلها مع الأسواق المالية بشكل يحقق الاستقرار المستدام، ويعزز من قدرتها على أداء دور الوسيط المالي بكفاءة عالية.
لماذا تُستخدم العملات المستقرة في التداول
التداول من أكثر المجالات التي تعتمد على العملات المستقرة، ويعود ذلك لأسباب عملية مهمة تجعلها أداة لا غنى عنها للمتداولين.
أولا: تعمل كملاذ آمن، أي عندما تتجه أسعار العملات الرقمية مثل البيتكوين نحو الهبوط الحاد، يحتاج المتداول إلى حماية أمواله، بدلا من الخروج الكامل من السوق وتحويل الأموال إلى دولار، يمكنه تحويلها بسرعة إلى عملة مستقرة مثل USDT أو USDC.
هذا من شأنه الحفاظ على قيمة رأس المال بالدولار وإبقائه داخل منصة التداول، جاهزا للدخول في صفقات جديدة عندما تتحسن ظروف السوق.
ثانيا: تُشكل أزواجَ التداول الأساسية، أي إذا نظرت إلى أي منصة تداول، ستجد أن معظم أزواج التداول مقومة بالعملات المستقرة، مثل BTC/USDT أو ETH/USDC.
وجود عملة مستقرة كمرجع ثابت يجعل عملية حساب الأرباح والخسائر واضحة وسهلة للغاية، حيث أن قيمة أحد جانبي الزوج لا تتقلب، على عكس ما يحدث عند التَّداول مقابل عملة متقلبة أخرى.
ثالثا: تتميز بسرعة التسوية، أقصد التحويلات بين العملات المستقرة والعملات الرقمية الأخرى داخل منصات التداول تكون فورية تقريبا.
لا يوجد انتظار لمعالجة التحويلات البنكية التي قد تستغرق أياما، ولا توجد عادة رسوم تحويل مرتفعة، مما يمنح المتداولين مرونة وسرعة في إدارة المحافظ واستغلال الفرص السريعة في السوق.
رابعاً: هي أساس التداول الهامشي، بمعنى يَستخدم العديد من المتداولين العملات المستقرة كضمان للاقتراض من أجل التداول برافعة مالية.
كيف تعمل العملات المستقرة
كيفية عمل العملة المستقرة، تخيل أنها جسر بين العالم الرقمي والعالم المادي، هدفها الأساسي هو محاكاة قيمة أصل حقيقي مستقر مثل الدولار الأمريكي، ولكن على البلوكشين، يتم تحقيق هذا الاستقرار عبر ثلاث آليات رئيسية:
1- المدعومة بضمانات (Collateralized): هذه هي الطريقة الأكثر شيوعا، تقوم جهة مصدرة بالاحتفاظ باحتياطي من الأصول الحقيقية كضمان، على سبيل المثال، لإصدار مليون وحدة من عملة مستقرة مرتبطة بالدولار، يجب أن تحتفظ الشركة بمليون دولار في خزائنها البنكية، عندما يشتري المستخدم عملة مستقرة، تضيف الشركة دولارا إلى احتياطها وتصدر له وحدة جديدة، وعندما يبيعها تحرق الشركة الوحدة وتعيد له الدولار، هذه الآلية تضمن أن لكل عملة مستقرة دولارا حقيقيّا يدعمها.
2- الخوارزمية (Algorithmic): هذه العملات لا تعتمد على أصول حقيقية كضمان، بل على برامج كومبيوتر معقدة (خوارزميات) تحاكي عمل البنك المركزي، تتحكم هذه الخوارزميات تلقائيا في المعروض من العملة بناء على الطلب عليها للحفاظ على سعرها مستقراً، إذا ارتفع سعر العملة فوق دولار واحد، يزيد البروتوكول المعروض لخفض السعر، وإذا انخفض السعر، يقلص المعروض لرفعه مرة أخرى. هذه الطريقة أكثر تعقيدا وتعتبر محفوفة بمخاطر أعلى، كما رأينا في الانهيار المدوي لعملة TerraUSD والتي يُرمز لها بالرمز (UST).
3- الهجينة (Hybrid): تجمع بعض النماذج الحديثة بين الطريقتين السابقتين، حيث تكون مدعومة جزئيا بضمانات وجزئيّا بخوارزميات للتحكم، في محاولة لتحقيق توازن بين الاستقرار والكفاءة.
مخاطر العملات المستقرة
تُواجه العملات المستقرة مجموعة من المخاطر والتحديات التي تؤثر على استقرارها وفاعليتها في السوق الرقمية، من أبرز هذه التحديات سوء إدارة الاحتياطيات المالية، حيث تعتمد العديد من العملات المستقرة على احتياطيات غير شفافة أو غير كافية، مما يهدد قدرتها على الوفاء بالتزاماتها والاستمرار في تحقيق الاستقرار.
كما أن الاعتماد المفرط على عملات أو أصول معينة قد يعرضها لمخاطر تذبذب القيمة، خاصة في حال حدوث اضطرابات في الأسواق المرتبطة بها، بالإضافة إلى ذلك، تتعرض العملات المستقرة لمخاطر تقنية، مثل الثغرات الأمنية والاختراقات الإلكترونية التي يمكن أن تؤدي إلى فقدان الثقة أو سرقة الأصول الرقمية.
ومن ناحية تنظيمية، فإن غياب إطار قانوني واضح وموحد يُعقد عملية الرقابة على هذه العملات ويزيد من احتمالية استغلالها في العمليات غير المشروعة، مثل غسيل الأموال والتهرب الضريبي، كما أن الاعتماد المفرط على العملات المستقرة قد يُثير مخاوف تتعلق بالمركزية، حيث أن السيطرة التعليمية على جزء كبير من العملة قد تقيد مبدأ اللامركزية الذي تمثلها التشفير، وفي مواجهة التحديات التقنية والتنظيمية، يصبح من الضروري تطوير أساليب محاسبية وشفافة لإدارة الاحتياطيات، وتعزيز الأطر القانونية، وتبني معايير أمنية عالية لضمان حماية الأصول وأمن المستخدمين.
إن استمرارية الاعتمادية على العملات المستقرة تتطلب جهوداً مستمرة لتحقيق توازن بين الثبات المالي والحماية القانونية، مع التركيز على تحسين أدوات الرقابة وتطوير التقنيات لضمان استقرارها وسلامتها في ظل بيئة اقتصادية وتقنية متغيرة بسرعة.
مستقبل العملات المستقرة Stablecoins
يشهد مستقبل العملات المستقرة Stablecoins تطورًا متسارعًا يُبشر بآفاق واسعة من الابتكار والتحسينات التقنية التي من شأنها تعزيز مكانتها في النظام المالي الرقمي، من المتوقع أن تلعب العملات المستقرة دورًا محوريًا في تسهيل عمليات التحويل المالي الدولية عبر تقنيات البلوكشين والعقود الذكية، مما يسهم في تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة.
يتجه المطورون والمهيئون إلى تصميم نماذج جديدة من العملات المستقرة المدعومة بأصول متنوعة، مثل العملات المؤمنة بالذهب أو الأصول الرقمية الأخرى، بهدف تعزيز الثبات وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على عملة واحدة أو جهة داعمة واحدة فقط، كما يُتوقع أن تتسارع عمليات التبني التنظيمي للعملات المستقرة، مع وضع أطر قانونية أكثر وضوحًا لضمان الشفافية والأمان، مما يعزز الثقة بها ويشجع المؤسسات على استخدامها بشكل أوسع.
من ناحية الابتكارات التقنية، يشهد مجال العملات المستقرة استحداث أدوات وتقنيات تُمكن المستخدمين من إدارة محافظهم الرقمية بطرق أكثر أمانًا ومرونة، بالإضافة إلى تطوير أنظمة الدفع والتسوية الفورية، مع تطور التكنولوجيا، يُعَول أن تعتمد العملات المستقرة على مزيج من الحلول اللامركزية والمركزية، لتعزيز التنوع وتوسيع نطاق الاستخدام، يتوقع أن تتفاعل هذه الابتكارات مع تغييرات السوق العالمية، مما يتيح فرصًا جديدة للتمويل اللامركزي ويعزز الاتجاه نحو اقتصاد رقمي أكثر تكاملًا ومرونة.
خاتمًا العملات المستقرة هي أداة مالية حديثة ومفيدة، لكن كأي أداة، يجب استخدامها بوعي وحذر، تُظهر النتائج الحالية أن العملات المستقرة تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الثقة والاستقرار في الأسواق الرقمية، مما يسهم في تعزيز كفاءة العمليات التجارية وتقليل المخاطر المرتبطة بالتقلبات السعرية، من خلال توفير بيئة نقدية مستقرة.
